في لحظة تُجسد أسمى معاني الإنسانية والوطنية، تقف عكار اليوم شاهدةً على وحدة لبنان وصموده، وهي تودع ضيوفها الذين لجأوا إليها إثر العدوان الإسرائيلي. في وقت لم تكن هذه الأرض يومًا إلا ملاذًا آمنًا وحضنًا دافئًا، تحتضن كل من طرق أبوابها، لتُسطر بذلك صفحة جديدة في سجلها المليء بالعطاء والصمود.
لقد فتح العكاريون بيوتهم وقلوبهم لأبناء وطنهم، غير آبهين بالصعوبات والتحديات، في تجسيد حي للروح الوطنية الأصيلة التي تميز هذه المنطقة. فكانت هذه المواقف شاهدةً على عمق الإنتماء وصدق الإحساس بالمسؤولية تجاه الوطن وأبنائه. ومع سريان وقف إطلاق النار، تعم الفرحة اليوم مختلف أنحاء البلاد، لتعود الحياة تدريجيًا إلى طبيعتها، حاملةً معها آمالًا جديدة بغدٍ أفضل. إنها عكار، كما عهدناها، منارة للصمود الوطني وشاهدة على وحدة لبنان بأطيافه ومناطقه كافة.
لقد قدمت عكار عبر تاريخها الكثير من التضحيات، وساهمت في صون كرامة هذا الوطن، ونبذ كل محاولات أخذ البلاد إلى ما يرمي إليه العدو، من خلال دفعنا نحو الانقسام في الخندق الطائفي. لقد قدم أهل عكار خيرة الشباب وما زال، دائمًا في طليعة المدافعين عن أرض لبنان. واليوم تقدم صورة أخرى مشرقة عن كل الوطن، صورة التضامن والتكافل رغم الجراح والآلام.
كل المشاهد الوطنية والإنسانية التي رأيناها في هذه المحنة، ليست سوى رسالة واضحة: عكار لم تكن يومًا سوى رمزٍ للوطنية والوحدة، وصوتًا يصدح بالكرامة والعنفوان.
رغم الحرمان المزمن من مقومات الحياة والبنى التحتية الأساسية، أثبتت عكار مرة أخرى أنها قلب هذا الوطن وملاذه الآمن، إستقبلت الجميع بكرمها المعهود وإنفتاحها الغير محدود، مؤكدةً أنها المكان الأكثر إستعدادًا للعطاء، هذه التجربة تجدد الحاجة الملحّة لتنمية عكار وتخصيصها بحصتها العادلة من المشاريع الإنمائية التي تليق بتضحياتها ودورها الكبير في هذا الوطن.
اليوم، ومع بدء رحيل الضيوف وعودتهم إلى ديارهم، تبقى عكار شاهدًا حيًا على أن لبنان ليس مجرد حدود جغرافية، بل هو نسيج اجتماعي مترابط، متماسك، ينهض في وجه المحن، ويستعيد عافيته رغم كل العقبات، رحم الله الشهداء والشفاء العاجل للجرحى ..