مقال رأي: عمر خالد
منذ العام 2020 حتى اليوم، لا أذكر منطقةً عاشت حالات جرائم وحشيّة كمنطقة القيطع في عكار، من جردها لساحلها، فلا يخلو شهرٌ أو فصلٌ إلا وتحدث فيه جريمة قتلٍ مروّعة، تذهب ضحيتها عائلة أو فرد وبأبشع الطرق، فمن ببنين إلى العبدة ثم قبعيت واليوم القرقف أصبحت كلّ جريمة منهم تمحو التي قبلها من فظاعتها.
لكن يبقى السؤال، لماذا؟ هل أصبح الناس وحوشاً؟ أم أن هذا المجتمع يخلق المتوحشين؟
وقفت منطقة القيطع على أعصابها لخمسة أيامٍ منذ اختصاف الشيخ أحمد الرفاعي حتى تبينت حقيقة خطفه وقتله ودفنه بمشهد لا نراه سوى بالأفلام، وبخطة محكمة التدابير ظنّ منفذوها أنهم نجوا بفعلتهم.
منذ أشهرٍ قليلةٌ سابقة وقعت جريمة هزت بلدة قبعيت في جرد القيطع راح ضحيتها عائلة كاملة أب وأم وابنهما البكر، قبلها بأشهر وفي ليلة عيد الأضحى جريمة قتل هزت منطقة العبدة في ببنين، أيضاً وفي ببنين جريمة قتل بمكيدة مدبرة راح ضحيتها شابين هزت البدلة ووضعتها في حالة من الرعب لأشهر، ولا ننسى جريمة إطلاق النّار في بلدة برقايل التي راح ضحيتها طفلٌ صغير كان مع إخوته برفقة والده في السيارة.
إن هذه الجرائم، قد حصلت في إطارٍ زمني لا يتجاوز السنة، وفي منطقة جغرافية متقاربة، وفي مجتمع يتشارك نفس الثقافة والدين، وفي مجالٍ قروي يفترض أنه أكثر تماسكاً وأكثر أمناً.
في زيارتي الأخيرة للبنان منذ أسبوعين، لاحظت ازدياد ظاهرة التسلّح وهي المنتشرة بدورها منذ زمنٍ بعيد، لكنني لاحظتها وقد وصلت لأشخاص لم يكونوا من المؤمنين بضرورة حمل السلاح، وعند سؤالهم عن السبب قال أحدهم “بأقل المشكل الناس عمب تصير تقوّص”.
لم تشفع الضائقة الاقتصادية بالوضع الأمني، بل زادته سوءً.
أذكر أننا كنا في السنين السابقة، كنا نسمع عن هذه الجرائم من باب الاستغراب والنُّدرة، أما اليوم، أصبح خبرها سهلاً على الآذان بل نسيانها أسهل.
أما مفهوم الأمن الذاتي فقد حوّل الفرد لطاغٍ على الدولة والقانون، لكن لماذا؟
من يُرجِع السبب إلى الوضع الاقتصادي، فهي حجة باطلة إذ أنه علمياً عندما يسوء الوضع الاقتصادي تزداد جرائم السّرقة، النّشل، القتل، للنهب وغيرها، لكن أسباب كل الجرائم لم تكن خلفيتها إقتصادية. إن هذا الوضع الاقتصادي ليس على منطقة القيطع فقط، بل على لبنان أجمع، فضلاً عن أنّ نسبة الجرائم في منطقتنا هي الأعلى والأفظع.
لم يردع الدين الإسلامي القائم على السماح والسلام وتعاليمه، هؤلاء المجرمين من قتل إخوانهم في الإسلام. إذ إن الجرائم جميعها التي وقعت كانت في وقت قصير، وفي قرى متجاورة مسلمة سنيّة.
بل وبالنظر إلى الجريمة الأخيرة التي راح ضحيتها شيخ وإمام مسجد، والمتهم بها شيخ وإمام مسجد ومن نفس القرية والعائلة!
أين نحن؟ على أي مقياس يمكن أن تقاس هذه الجرائم وكثرتها؟ لم يقتل أحد عن جوع ولم يقتل أحد عن فقر!
تفشل الدراسات والموازين في هذه الحالات ولا يبقى سوى وزن العقول والإنسانية الغائبة عن منطقتنا.
العقاب، العقاب القاسي والظاهر والذي يشفي الغليل، هو الذي يردع المجرم وينشر الطمأنينة في أنفس هذا المجتمع الذي أصبح أفراده يعيشون فيه على كفّ عفريت.
وكما هو مكتوب على مدخل عكار: “عكار بدها الدولة” وجود السطلة جعل النّاس مطمئنة و كَشفُ المجرمين في قضية خطف الشيخ أحمد، أعطى القليل من الارتياح في المجتمع إذ انها أزاحت عن كاهل أهل الضحايا “رد حقهم بإيدهم” على أمل أن تستمر الأجهزة الأمنية بالقيام بدورها في إلقاء القبض على المجرمين، والمؤسسة القضائية في إنزال أشدّ العقوبات بكلّ من يخالف القانون ومبادئ الإنسانيّة.
أخيراً، إذا رأيت ولاة الأمر يطغون، فما بالك بالشعب؟