spotcastplatform

أبناء عكار ليسوا أرقاماً في دفاتركم الطائفيّة.

تصريحات الوزيرة السابقة مي شدياق لم تكن زلّة لسان، بل استمرار متكرر لخطاب مناطقي وطائفي مرفوض يحاول أن يزرع الفتنة بين اللبنانيين تحت ستار التفوق المزعوم. حين تقول إن المسيحيين يعملون على النوعية لا على الكمية وتضرب مثلًا بعكار، فهي لا تكتفي بإهانة أبناء منطقة، بل تُهين معنى الحياة والولادة والإنسان نفسه. المقارنة بين النوعية والكمية حين تتعلّق بالبشر، خصوصًا الأطفال، هو كلام عنصري، ولا يمكن أن يُفسَّر إلا كتعبير فجّ عن نزعة إقصائية طالما عانى منها لبنان ويحاول جيل جديد اليوم أن يتخطاها.

هذه ليست كمية، بل مجتمع شاب حي يساهم في كل ركن من أركان الوطن: من الزراعة والصناعة، إلى الجيش وقوى الأمن، وملأ نقابتي المهندسين والمحامين، وخرج إلى الخارج ليصبح طبيبًا بعدما همّشه وطنه بالفرص والأسعار. أبناء عكار لم يقتصروا على النمو العددي، بل ترجموا هذا الحضور إلى طاقات علمية ومهنية وخدماتية موزعة على مختلف ميادين الحياة العامة. هم جزء أصيل من نسيج الوطن، لم يشعلوا حروبًا أهلية، ولم ينخرطوا في مشاريع تقسيم، بل حملوا على أكتافهم فكرة الدولة بصبرهم وتضحياتهم.

زيادة الولادات في عكار وغيرها من المناطق ليست خطرًا ديموغرافيًا، بل حاجة حيوية في ظل تراجع عام في النمو السكاني في لبنان. ما بين 2016 و2019، كان معدل الولادات السنوي 63,523، أما بين 2020 و2023 فتراجع إلى 38,203 فقط. هذا التراجع هو التحدي الحقيقي، لا زيادة طبيعية بنسبة لا تتجاوز 1.5% سنويًا. الحياة لا تُهدد الوطن، بل الكراهية والتحريض والتمييز هي ما يفككه. ما قالته مي شدياق ليس رأيًا شخصيًا عابرًا، بل تعبير عن عقلية تسعى إلى تصنيف اللبنانيين، لا وفق إنتاجهم أو أخلاقهم، بل وفق مناطقهم وطوائفهم، وهذه هي الكارثة التي يجب مواجهتها

Facebook
X
WhatsApp

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على معلومات التحديث والأخبار والرؤى المجانية.