كيف تصبح نائباً في عكّار بثلاث خطوات مضمونة؟
في عكّار، لا يلزمك برنامج انتخابي ولا خطط إصلاحية ولا حتى معرفة بأبجديات التشريع. الطريق إلى المقعد النيابي أوضح وأسهل مما تتخيل، فقط اتبع هذه الخطوات الثلاث، وستجد نفسك نائباً لعكّار معزّزاً بالحصانة والهيبة والمرافقة الرسمية.
أولاً، ادّعاء القرب من المملكة العربية السعودية.
لا نتحدث هنا عن قرب حقيقي، بل عن صورة مصطنعة تلمع أكثر كلما بالغت فيها. فالعكاري الناخب يحب أن يصدق أنّ المملكة تضع عينها عليك، وأن السفير وليد البخاري صديقك الدائم، يزورك كلما مرّ بالشمال، يحتسي القهوة عندك، ويبارك خطواتك. وإن لم يكن هذا صحيحاً، لا مشكلة. يمكنك أن تعوّض بالادّعاء، أو بأن تملأ صفحاتك بصور ولي العهد محمد بن سلمان، وأن تكتب منشورات مطنطنة عن لقاءاتك مع “مسؤولين سعوديين”. يمكنك أن تلتقط صورة عابرة في مناسبة عامة وتحوّلها إلى دليل على علاقة استراتيجية. يمكنك أن تكذب كثيراً، فلا أحد سيسألك عن الحقيقة. المهم أن يتكوّن الانطباع أنك رجل المملكة في عكّار، حتى ولو لم تعرف بك المملكة أصلاً، وحتى لو لم يكن في حساباتها التدخل في الانتخابات العكارية. الزينة هنا هي الأساس: كلما رفعت الصور وكثّرت الأحاديث، كلما اقتنع الناس أنك محاط بهالة خليجية مباركة.
ثانياً، أن تحمل صفة رجل أعمال بلا أعمال
ليست المسألة في حجم أعمالك أو تنوّع شركاتك أو نجاح مشاريعك. لا، الشرط الوحيد هو أن يُقال عنك “رجل أعمال”. يفضل أن تكون تجارتك غامضة، لا أحد يعرف عنها، وأحياناً يلفّها الكثير من الشبهات. قد تكون شركاتك مسجلة في الخارج، في أستراليا مثلاً، لا أحد يعرف إن كانت قائمة أو حبر على الورق. الأجمل أن تظل تجارتك محاطة بالسرية والغموض، فيعيش الناس على وقع الحكايات والتخمينات: “فلان عنده شركات برّا”، “فلان بيشتغل بالملايين”. السيارات الفارهة والقصور المبهرة كافية لتكمل المشهد. رجل أعمال بلا أعمال واضحة هو الوصفة الذهبية.
ثالثاً، ليلة الانتخابات قدِّم الهدايا
من بعد العصر وحتى طلوع الفجر، تبدأ الجولات على المفاتيح الانتخابية والبيوت. لا وقت لبرامج انتخابية ولا للوعود الكبيرة، هنا اللغة الوحيدة المفهومة هي الدولار. توزّع الأموال كما يوزّع الخبز: لكل ناخب بين خمسين ومئة دولار، بحسب القرب والحاجة. أنت أو من يمثلك تتولون المهمة، وكل ليرة تصرفها تعود إليك على شكل صوت مضمون في الصندوق. وفي الصباح، تجد نفسك نائباً شرعياً لعكّار.
بعد الفوز
هنا يبدأ الفصل الأكثر راحة. لديك أربعة سنوات كاملة لا تحتاج فيها إلى أي جهد تشريعي أو إنمائي. يمكنك أن تسكن خارج عكّار، أن تغيب عن البرلمان، أن لا تقدّم مشروع قانون واحد، ولا أن تطالب بمرفأ أو مطار أو جامعة. المهم أن تبقى حاضراً في المناسبات الاجتماعية: تعزي، تهني، تحضر الأعراس والجنازات. هذه كافية لتذكّر الناس أنك موجود. أما المشاريع الكبرى فدعها لغيرك، فالمقعد النيابي ليس للتنمية، بل للوجاهة والمكانة والامتيازات.
هكذا وبكل بساطة، تصبح نائباً عكارياً مشهوراً وناجحاً…
بالقياس العكّاري طبعاً.
