ليس موسماً تجارياً كالبطاطا أو البطيخ. في عكّار، حيث ترتبط الحياة بخُضرة الأرض، يبدأ موسم العنب والتين كطقس سنوي يعكس جمالية الريف وكرمه. هنا لا تجد فقط الفاكهة، بل تجد القصة، والحياة، والانتماء.
في كل فناء، وعند كل بيت، تمتد عريشة عنبٍ تزيّن الدار كزينة دائمة، تتدلى منها عناقيد العنب المقدوشي، ذاك العنب العكاري الذي لا يحتاج كثير عناية؛ تنبته الأرض بسخاء وتسقيه السماء من خيرها. لا يسألك العنب عن اسمك أو جيبك، يطعِمُ كل مَن مرّ به: إنساناً، عصفوراً، أو حتى دابّة.
وفي الحقول، تتقاطع خطوط الزيتون مع أشجار التين الأخضر، والأصفر، والأرجواني… تينٌ يتشقّق من شدّة طيبه، لا يُصدّر ولا يُخزّن، بل يُؤكل طازجاً من الشجرة أو يُهدى لمن مرّ، أو يُترك لتتغذى عليه العصافير والجائعون وكل من أحب الأرض.
في عكّار، ترتبط الزراعة بالأخلاق، وبفكرة الكرم الفطري لا التجاري. عند كل عزق، أي بين كل حافتين من الأرض، تجد عريشة عنب، أو ظل تينة. ليست مجرّد محاصيل، بل هي ما تبقّى من العلاقة الروحية بين الناس والتراب.
وفي بلدات مثل بزال، المعروفة بعنبها وتينها، تتحوّل الطرقات إلى أسواق مفتوحة. “البسطات” تنتشر على جوانب الطريق، وبين كل بسطة وأخرى صحنٌ مزيَّنٌ بعناقيد من العنب وحبات تين ناضجة، بأسعار مدروسة، لا للربح، بل للمشاركة. كل من لا يملك أرضاً يأكل من هذه الأرض، وكل من لم يزرع يحق له أن يتذوّق بركتها.
إنه موسم لا يقيسه الفلاحون بالربح والخسارة، بل بطعم أول حبة عنب، وبلذة تينة لا تزال ساخنة من الشمس. موسم لا يُباع في الأسواق الكبرى، بل يُهدى في الصحون، ويُقدّم من خلف أسوار البيوت، ويُزرع في الذاكرة