spotcastplatform

من أزمة إلى كارثة: كيف تُترك عكّار فريسة لمطامر غير صحية؟

منذ سنوات، تحوّلت أزمة النفايات في لبنان إلى مرآة لفشل السياسات العامة، إذ تتكرر المشاهد نفسها: أكوام من النفايات تتكدس على الطرق، وحلول جزئية تتعثّر، ومطامر تفتقر إلى المعايير الصحية، ورغم صدور قانون إدارة النفايات الصلبة عام 2018، بقي التطبيق هشًّا، فيما تتقاطع المصالح السياسية والبلدية مع غياب التمويل المستدام، فتتراكم الأضرار البيئية والصحية على كاهل المواطنين.

عكّار نموذج للأزمة البيئية المزمنة

في الشمال، وتحديدًا في عكّار، تتجسّد هذه الأزمة بوضوح خصوصًا في مطمر سرار، هذا الموقع الذي يفترض أن يكون جزءًا من حل متكامل، تحوّل إلى مصدر دائم للقلق. فالمطمر يستقبل نفايات أكثر من 130 بلدة وقرية، من دون عزل كافٍ للتربة أو نظام فعّال لمعالجة الانبعاثات. النفايات تُلقى بلا فرز، وتُحرق أحيانًا لتقليل حجمها، في مشهد يعكس غياب إدارة رشيدة لملف يفترض أن يكون تحت رقابة مشددة.

إلى جانب المطمر، يقف معمل فرز النفايات في سرار شاهدًا على عبثية التعاطي مع هذا الملف. فالمعمل، الذي أُنجز بتمويل من الاتحاد الأوروبي منذ سنوات، مجهز بأحدث التقنيات وقادر نظريًا على فرز نحو 500 طن يوميًا، أي أكثر من حاجة عكّار الفعلية. ورغم ذلك، ما زال مغلقًا بانتظار قرار حكومي يطلق تشغيله. غياب الإرادة السياسية وتعقيدات التمويل جعلا استثمارًا بملايين الدولارات حبيسًا خلف الأبواب، بينما تتوسع المكبات العشوائية على جوانب الطرق وضفاف الأنهار، ملوّثة التربة والمياه والهواء.

تهميش تاريخي يفاقم المعاناة

المشهد في عكّار لا يمكن فصله عن الواقع اللبناني العام، لكن خصوصيته تكمن في التهميش المزمن الذي تعانيه هذه المنطقة. فبينما تُصرف الأموال على مشاريع مشابهة في مناطق أخرى، يبقى أبناء عكّار أسرى مطمر غير صحي ومعمل متروك، يدفعون ثمن تقصير متعدّد الجهات: دولة عاجزة عن اتخاذ قرارات وتشغيل مرافق جاهزة، بلديات مثقلة بالأعباء المالية، وشركات خاصة تفتقر إلى إطار واضح يضمن استدامة العمل.

وتشير معطيات إلى بروز ممارسات تزيد من تعقيد الأزمة، إذ تطلب بعض البلديات المواطنين مبالغ تتراوح بين 300 و400 ألف ليرة مقابل جمع النفايات من منازلهم، فيما يُطالَب بعض المرشحين إلى الانتخابات النيابية المقبلة بمبالغ تفوق ستة آلاف دولار لقاء المساهمة في رفع النفايات. هذه السلوكيات، وإن كانت لا تشمل جميع البلديات، تكشف كيف يمكن أن تتحول خدمة أساسية إلى ورقة ابتزاز سياسي ومالي، بدل أن تكون حقًا مضمونًا للسكان.

إن ما يحدث ليس مجرد خلل تقني، بل نتيجة مباشرة لسوء التخطيط والتراخي الرسمي. عندما تُترك النفايات بلا فرز أو معالجة، وتُحرق لتفريغ المساحات، يصبح الخطر الصحي بيّنًا: سموم في الهواء، تلوّث في المياه الجوفية، وتدهور للتربة يهدد الزراعة والحياة البرية. ومع استمرار الأزمة الاقتصادية، تتراجع قدرة السلطات على تمويل التشغيل والصيانة، لكن ذلك لا يبرر غياب الشفافية وعدم شرح الأسباب الحقيقية لتعطيل المعمل، أو تجاهل الدعوات المتكررة لإيجاد حلول جذرية.

عكّار تستحق أن تُعامل كباقي المناطق، لا كمكبّ لامبالاة الدولة. أبناؤها الذين يستنشقون يوميًا دخان الحرائق ويعاينون بأعينهم تمدد المكبات العشوائية، يدفعون ثمن سياسة دفن المشاكل بدل حلّها. إن تحويل البنى التحتية القائمة من عبء إلى فرصة يتطلب قرارًا شجاعًا يضع صحة الناس وحقهم في بيئة سليمة فوق الحسابات الضيقة.

Facebook
X
WhatsApp

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على معلومات التحديث والأخبار والرؤى المجانية.