spotcastplatform

خطاب الكراهية على تطبيقات التواصل…الحل في التربية الإعلامية!

عمر خالد- سبوت كاست

باتت وسائل التواصل الاجتماعي تشكل في الأعوام الأخيرة المصدر الأساسي للمعلومات، متفوقةً على المصادر التقليدية التي عُرفت سابقًا، وتنتشر هذه الظاهرة في أغلب دول العالم ومنها لبنان. وقد ساهمت هذه الاعتمادية بانتشار العديد من المواقع والتطبيقات الأخبارية ومجموعات التواصل وفي مختلف المناطق لمتابعة أهم الأحداث.

وإن كانت تلك التكنولوجيا ساهمت في تقريب المسافات بين المواطنين وايصالهم بالخبر بشكل سريع، الا انها ساهمت بسبب الفوضى الحاصلة أيضًا بانتشار الأخبار المضللة والخطيرة وأهمها خطاب الكراهية الذي يُعتبر من الأسباب الرئيسية في هدم المجتمعات، خاصة في بلد مثل لبنان حيث التنوع الديني والثقافي والذي يستضيف عدد كبير من النازحين واللاجئين من جنسيات مختلفة منذ سنوات.

بات اليوم خطاب الكراهية يشكل تهديد اساسي للبنان خاصة في المناطق الشمالية كطرابلس وعكار، التي قد  يعاني سكانها من غياب القدرة على التحقق من المعلومات التي تصلهم عبر مجموعات الواتساب، والتي قد تكون عبارة عن أخبار تدعو للكراهية والعنف، مما يُلقي على عاتق مديري هذه المجموعات مسؤولية كبيرة في مواجهة هذا الخطاب من خلال وضع قواعد صارمة تمنع نشر المحتوى المسيء.

أشكال خطاب الكراهية ودور الـ “Admins”

بخلاف وجوده  على وسائل الإعلام التقليدية، يظهر التحريض وخطاب الكراهية بشكل أوسع على وسائل التواصل الحديثة، وتحديدًا على المنصات غير المسجلة التي تفتقر إلى الحد الأدنى من الأخلاقيات المهنية مثل واتساب. كما انتشار ما هو معروف اليوم ب “الجيوش الإلكترونية” التي تديرها مجموعات محددة تهدف إلى مهاجمة الأفراد والجماعات بمختلف أشكال وأنواع خطاب الكراهية.

تُعدّ منصات التواصل الاجتماعي بيئة خصبة لانتشار خطاب الكراهية، حيث تُتيح هذه المنصات الفرصة للجميع للتعبير دون قيود، وتتنوع الآراء والمشاركات نظرًا لعدد المستخدمين الكبير، ومن بينها تلك التي تحمل بذور الكراهية والتمييز.

في لبنان، وخاصة في محافظات الأطراف مثل عكار والبقاع، حيث يغيب الاهتمام الإعلامي التقليدي، برزت مجموعات التواصل الاجتماعي كوسائل إعلام محلية بديلة. ظهر الناشطون الإعلاميون كبديل للصحافيين التقليديين، حيث يكفي أن يمتلك الناشط جمهورًا متفاعلًا. وأدى غياب الخبرة والتنظيم إلى انتشار الأخبار المضللة وخطابات الكراهية.

تختلف الأشكال التي تظهر بها خطابات الكراهية عبر مجموعات الواتساب، ولكن غالبا ما تكون على صورة منشورات واخبار تفتقد للموضوعية أو عبر نقاشات وجدالات تزيد من التحريض و”تصب الزيت على النار”. 

وفي مواجهة ذلك، دخل الصحافيون المحترفون إلى هذا المجال، وأسسوا مجموعاتهم الخاصة التي تتميز بتأثير أوسع وتنظيم أفضل لمكافحة هذه الآفة.

في حديثنا مع مراسل قناة الجزيرة مباشر في عكار أسامة العويد والمؤسس والمشرف على الكثير من مجموعات الواتساب، يذكر لنا العديد من القصص عن كيف أدت هذه المجموعات الى مشاكل فردية أو تحريض جماعي. ومن ضمنها الحملات ضد الوجود السوري في لبنان التي انطلقت بها وسائل الإعلام التقليدية وتبعتها مجموعات الواتساب من تحريض وذكر للاثر السلبي للوجود السوري في لبنان.

ويضيف العويد أن مجموعات الأخبار في عكار لها حالة خاصة حيث ان هناك تعاطف شعبي أكبر مع الوجود السوري من بقية المحافظات، ما أدى لجدالات عبر هذه المجموعات بين مؤيد ومعارض. كما يذكر ايضًا حادثة حصلت في مدينة “المنية” حيث ادى اشكال فردي بين لاجئ سوري وشاب لبناني في نيسان 2023 الى موجة تحريض عبر مجموعات الواتساب المحلية ما أدى إلى حرق مخيم للنازيحن في منطقة بحنين المنية. في تكرار للحادثة التي حصلت في كانون الأول 2020 وادت الى حرق مخيم للنازحين السوريين في نفس المدينة. 

ويشيرالعويد إلى أن عدم وجود آليات لتنظيم مجموعات الـ WhatsApp تفتح المجال للأخبار الكاذبة والمشوهة التي تحرض وتنشر خطاب الكراهية.  وأشار إلى أن إغلاق المجموعات أو طرد بعض الأشخاص منها غالبًا ما يكون الحل الأمثل لضبط هذه المجموعات والحد من خطاب الكراهية.

كما أوضح أن خطاب الكراهية يؤدي إلى مشاكل عائلية، خاصة عند مسائل مثل إطلاق الرصاص العشوائي في الهواء، حيث تتزايد التساؤلات حول الأشخاص الذين أطلقوا النار ويتم تداول صورهم مما يؤدي إلى مشاكل لهؤلاء الأشخاص وحتى بين العائلات نفسها.

في حديثنا أيضًا مع الأستاذ محمد سلمى، الذي يدير عدة مجموعات من الـ WhatsApp لخدمة الأخبار العاجلة ولديه أكثر من 16 ألف مشترك فيها، اعتبر أن أخطر وسيلة لنقل الخبر هي الـ WhatsApp، حيث تثير ردود فعل سريعة في الشارع. وأوضح أن المجموعات التي يديرها تتعرض للنقد خاصة في موضوع اللاجئين السوريين، حيث تصله رسائل تحمل خطابات كراهية ضد مجموعة معينة ولا يقبل بنشرها.

كما أنه يعمل مع فريقه المكون من خمسة أشخاص على الدقة والحذر والتأكد من المعلومات، خاصة عندما تكون عن المشاكل في المناطق حيث تسود الأخبار الكاذبة بقصد الفتنة. واعتبر أن الحل الأمثل هو بالرجوع للتعاليم الدينية والمحبة والوطنية دون التفرقة على أساس الدين، العرق أو المجتمع، بالإضافة إلى نشر المحبة والسلام والتذكير الدائم بأننا مجتمع مترابط.

خطاب الكراهية بين العالم والواقع اللبناني

تُعرف الامم المتحدة  خطاب الكراهية (تعريف غير رسمي) على أنه أيّ سلوك لفظي أو غير لفظي، يُعبّر عن ازدراء أو كره تجاه فرد أو مجموعة استنادًا إلى خصائص مثل العرق أو الدين أو الجنس، مما يمكن أن يهدد الهدوء الاجتماعي. ورغم غياب تعريف محدد له في القانون الدولي لحقوق الإنسان، إلا أن هذه الظاهرة تُعتبر موضوع نقاش واسع، خصوصًا فيما يتعلق بالتوازن بين حرية التعبير والحق في عدم التمييز والمساواة.

وتُعد خطة عمل الرباط من أهم المبادرات الدولية لمواجهة خطاب الكراهية، حيث تم اعتمادها في عام 2012 من قبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان. تهدف الخطة إلى وضع معايير واضحة حول كيفية التصدي لخطاب الكراهية مع احترام حرية التعبير. وتشمل التوصيات تعزيز الأطر القانونية الوطنية، وتدريب الجهات الفاعلة في الإعلام، وتعزيز التوعية العامة بمخاطر خطاب الكراهية.

ومن النتائج التي خرجت بها الخطة، أنه من الضروري وضع معايير عالية لتحديد القيود على حرية التعبير وتحديد التحريض على الكراهية، واقتُرح معيار من 6 أجزاء لمعايير أشكال التعبير المحظورة جنائيًا نلخصها في ما يلي:

السياق: السياق أمر بالغ الاهمية عند تقدير ما اذا كانت تعبيرات معينة يمكن أن تحرض على التمييز.

المتكلم: ينبغي دراسة وضع المتكلم أو حالته في المجتمع.

النية: تفترض المادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وجود النية، فالاهمال والتهور ليسا كافيين لتشكيل موقف تنطبق عليه المادة 20 التي تطلب الدعوة والتحريض لا مجرد الانتشار أوالتداول. 

المحتوى أو الشكل: يشكل محتوى الكلام احدى النقاط الاساسية التي ترتكز عليها مداولات المحكمة وهو عنصر هام في التحريض.

 مدى الخطاب: ويتضمن ذلك عناصر مثل تأثير الخطاب، وطبيعته العامة، وكبر جمهوره وحجمه.

الرجحان، بما في ذلك الوشوك: التحريض هو بالتحديد جريمة غير تامة، وليس من الضروري ارتكاب الفعل الذي دعا إليه خطاب التحريض، وعلى المحاكم أن تقرر أنه كان ثمة احتمال معقول بأن ينجح الخطاب في التحريض على عمل فعلي ضد المجموعة المستهدفة.

أما في لبنان، وبحسب دراسة بعنوان “730 يوم من الكراهية” أجراها مركز “سكايز” للحريات الإعلامية والثقافية التابع لمؤسسة سمير قصير، كشفت عن تصاعد خطاب الكراهية كنهج منظم يُستخدم للتأثير على الرأي العام. وأوضحت الدراسة أن الكراهية يمكن اعتبارها أداة سياسية تعطل العلاقات الإنسانية وتؤدي إلى الكوارث والمآسي. وبحسب الدراسة ارتفع خطاب الكراهية بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي مقارنة بالقنوات التلفزيونية، فعلى سبيل المثال، عند اكتشاف أول حالة كوليرا في لبنان، بدأت المنشورات تتهم اللاجئين بأنهم السبب، مما زاد من حدة التوترات.

ومن بين الأحداث ايضًا، التحريض ضد اللاجئين السوريين، بالإضافة إلى الخطاب المناهض للنساء والذي تُرجم إلى 13 حالة قتل للنساء في لبنان منذ بداية عام 2023، بحسب جمعية “كفى”. 

تُظهر الدراسة أن حملات خطاب الكراهية في لبنان أصبحت ممنهجة ومنظمة، وهذا التنظيم يجعل من الصعب مواجهة خطاب الكراهية واحتوائه، خاصة عندما يتحول الأفراد إلى ماكينات مروّجة للكراهية.

ويبدو أن خطاب الكراهية ضد اللاجئين السوريين سجل أعلى نسبة في التقارير التلفزيونية ضد الفئات المهمشة. ومن أصل 12 بلاغًا، كانت 6 منها ضد اللاجئين، أي ما نسبته 50% من الإجمالي، وعلى تويتر، تُعد النساء الشريحة الأكثر استهدافًا في المجتمع من بين جميع الأقليات المحددة. 

يغيب في لبنان أيضًا الأطر والنصوص القانونية الواضحة لمواجهة خطاب الكراهية، ويتم الاجتهاد وفقًا للمادة 317 من قانون العقوبات اللبناني والتي تعاقب كل عمل وكل كتابة وكل خطاب يقصد منها أو ينتج عنها إثارة النعرات المذهبية او العنصرية أو الحض على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الأمة. 

ولكن هذه التصنيفات وفق متابعين لا ترقى للوضوح الكافي لتغطية كافة الفئات المهمشة التي قد تتعرض لخطر خطاب الكراهية، والحل يكمن بالتوجه نحو اعتماد المعايير الدولية والعالمية في مواجهة هذا الخطاب الخطير. ولكن كيف يمكن تطبيق هذه المعايير الدولية في القوانين اللبنانية؟

هذا يتم  من خلال تعديل قوانين العقوبات ومعاقبة النشر والترويج للكراهية والعنف، مع مراعاة أن لا يحد ذلك من حرية التعبير للأفراد بالحدود المقبولة

أهمية التربية الإعلامية

لا يمكن مكافحة خطاب الكراهية بشكل فعال وجدّي، إلا من خلال الأسس العلمية السليمة، وذلك عبر تثقيف كُلً من الصحافيين ومديري مجموعات الأخبار والتواصل، وحتى المواطنين على كيفية التأكد من صحة المعلومات التي يتلقونها قبل بناء المواقف حولها. 

وتؤكد عميدة كلية العلوم الإنسانية في جامعة سيدة اللويزة  الدكتورة ماريا بو زيد، على أهمية ربط خطاب الكراهية بموضوع الأخبار الكاذبة أو المضللة، مشيرة إلى أن التربية الإعلامية هي العامل الأهم لكل المواطنين. وأضافت: “يجب أن يمتلك الأفراد حسًا نقديًا، ليفكروا جيدًا قبل مشاركة المعلومات عبر مجموعات الواتساب. وعندما نتحدث عن الصحافيين ومسؤولي المجموعات، تصبح مسؤوليتهم مضاعفة، لأنهم في أذهان المواطنين أشخاص ذوي مصداقية أكبر، وأي خبر يتم مشاركته منهم يُعتبر أكثر دقة”.

وأوضحت الدكتورة بو زيد أن الأخبار المضللة تُستخدم كسلاح لنشر خطاب الكراهية عندما تكون هناك أجندة معينة لذلك، لا يبادر المسؤولون غالبًا للحد منها. هنا تبرز أهمية التربية الإعلامية التي تجعل المواطن أكثر نقدًا وحذرًا، وبالتالي لا ينساق وراء المشاعر عند وجود هذا الخطاب أو المحاولات لإثارة النعرات الطائفية أو السياسية.  فتمنعه أخلاقه الإعلامية من مشاركة المعلومات التي تزيد التوتر وعدم الاستقرار. ويجب أن تبدأ التربية الإعلامية من عمر صغير، بل ويجب ادخالها رسميًا في المناهج التربوية.

أما بموضوع وسائل التواصل الاجتماعي، فشبهتها بو زيد بـ “السيف ذو حدين”. فمع كل الإيجابيات التي جلبتها، بفضل السرعة والحرية التي تقدمها في تبادل الأخبار والمعلومات، إلا أنها تُعد أيضًا وسيلة سريعة لنشر خطاب الكراهية. وهنا يظهر الفرق بين الإعلام التقليدي ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث إن الإعلام التقليدي يُعتبر أكثر مهنية رغم أنه يستقي أحيانًا أخباره من وسائل التواصل وينشرها كأخبار موثوقة، مما يدخلنا في دوامة نشر الأخبار لجذب الانتباه والمشاهدين.

واختتمت الدكتورة حديثها بالتأكيد أن الحل الوحيد يكمن في العمل على التربية الإعلامية للمواطنين والمواطنين الصحافيين، لأن السيطرة على خطاب وسائل التواصل الاجتماعي أمر صعب. ويجب على كل شخص أن يتحلى بالمسؤولية الاجتماعية والوعي. وهنا يأتي دور مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الرسمية والجامعات في محاولة ملء الفراغ لدى الطلاب الذين لم يحصلوا على التربية الإعلامية في المدرسة.

Facebook
X
WhatsApp

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على معلومات التحديث والأخبار والرؤى المجانية.