spotcastplatform

موسم المونة اللبناني يعبر من أمام جيوب فارغة

مع نهاية فصل الصيف وبداية فصل الخريف إعتاد أهل القرى على مدى سنوات طويلة على تأمين المونة. حتى أن ربات البيوت ينظرن إلى خزائنهن نظرة وداع وهي على وشك النفاذ وعيونهن على جيوب رجالهن لتحضير ميزانية مالية طارئة بداية فصل الخريف. 

والمونة هي عبارة عن بعض أنواع الطعام والمربيات التي تخزن من سنة لسنة دون مواد حافظة كالكشك ودبس الرمان والخرنوب والمكدوس والزعتر البلدي والتين باللوز والجوز والمربى على أنواعه. 

وبالعادة يلجأ الناس الى المونة لتكون طعامهم طول فصل الشتاء حتى الصيف التالي. وهو ما يسهم في تخفيف النفقات، لأن شراء الخضروات في موسمها أرخص بكثير من شرائها في الشتاء في حال توافرت أصلا.

ومع إنهيار العملة الوطنية اللبنانية بشكل قياسي أمام الدولار الأمريكي، أصبح الناس يفضلون اللجوء الى المونة بشكل كبير وبكميات كبيرة كون المنتجات الجاهزة أغلى بكثير في السوبر ماركت والبضائع المستوردة غالية جدا.

غير أن ما يجري في لبنان من قلة المداخيل ومحدودية المعاشات وازدياد المصاريف وغلاء أسعار المنتجات الزراعية لما تتطلبه من عملية  ري التي تعتمد بدورها على مادة المازوت الغالية بسبب انقطاع التيار الكهربائي، إضافة الى ارتفاع تكاليف نقلها  من المزارع إلى السوق الاستهلاكي، ومع غلاء الغاز الذي يحتاجه تحضيره في المنزل حيث يصل سعر الجرة إلى أربعمائة ألف ليرة لبنانية ، كل هذه الأمور جعلت عملية المونة تزداد صعوبة عاما تلو العام.

فمع مطلع شهر أيلول كانت مجمل العائلات اللبنانية تنشغل بإعداد الكشك ودبس الرمان والمكدوس بالجوز.  فالرمان الذي يحتل المرتبة الاولى في سلم المونة، هو عبارة عن رمان تم قطفه وعصره ومن ثم غليه ليصبح دبسا يستعمل في العديد من الأطباق اللبنانية الأساسية.

إضافة الى الكشك البلدي الذي يكون حاضرا في وجبة الإفطار في معظم بيوت اللبنانيين وهو عبارة عن  برغل أبيض يتم نقعه باللبن على عدة أيام ثم يتم تشميسه حتى يجف تماما بعدها يأخذ طريقه بين أيدي الصبايا والنسوة ويفرك حتى ينعم تماما ليصبح كشكا، أو يؤخذ بعد  تشميسه  جيدا الى مطحنة ليصبح ناعما مثل البودرة.

أما المكدوس فيتم إعداده عن طريق سلق الباذنجان الصغير المدور ثم يملح بالملح ويوضع في أكياس تعمل على تصفيته من مائه وعندما ينشّف تماما من الماء يتم حشوه بالجوز والفلفل الأحمر والثوم ويعبأ في مرطبان ثم يملأ بزيت الزيتون الصافي ويترك في نملية المونة للشتاء.

هذا العام، تعذر في ما يبدو على معظم الأسر اللبنانية إعداد المونة بالشكل والكمية المعتادة، بينما من تمكن من ذلك عمد إلى خفض الكمية المعتادة الى النصف أو الربع مع تخفيض أو استبدال مواصفات الحشوة أو استعمال البودرة الحليب بدل اللبن‘، أو استخدام الزيوت المصنعة الجاهزة بدل زيت الزيتون الأصلي، بحثا عن التوفير.

وتشير لوائح الأسعار هذه السنة إلى أن سعر كيلو الرمان قفز إلى نحو 12000 ألف ليرة بينما كان 5000 السنة الماضية، ووصل سعر كيلو البرغل إلى 40 ألفا أما المشكلة الأهم في في سعر تنكة الزيت التي يصل سعرها اليوم إلى 100 دولار أمريكي، ووصل سعر كيلو الجوز الواحد الى 400 ألف ليرة الذي لا يمكن إعداد أصناف كثيرة من المربيات ولا يمكن إعداد المكدوس بدونه، ناهيك عن سعر اللبن الذي وصل إلى نحو 140 ألفا بعد أن كان لا يتجاوز9 آلاف ليرة لبنانية.

إضافة إلى تكاليف مثل إرتفاع سعر الغاز والمحروقات بشكل عام مع ارتفاع سعر الصرف، حتى وصل الأمر إلى فقدان هذه المادة أحيانا.

حاليا تبلغ تكلفة إنتاج كيلو كشك واحد إلى 400 ألف ليرة للكيلو الواحد في السوق اللبنانية، وكيلو المكدوس  المحشو بالجوز الى 700 ألف ليرة، وقنينة دبس الرمان إلى 300 ألف ليرة.

تقول السيدة فوز إبراهيم وهي سيدة مختصة بإعداد المونة المنزلية من بلدة برقايل العكارية منطقة العربيط،  خلال هذه المقابلة أن معظم الأسر في بلدة برقايل تجنبت هذا العام إعداد المونة بالشكل المعتاد واكتفت بكميات صغيرة، فمن كان يشتري مئة كيلو رمان ويدبسها أصبح اليوم يكتفي بشراء كيلو جاهز، نظرا لغلاء سعر الرمان الذي وصل الى نحو 12000 ل.ل. وارتفاع سعر الغاز وصعوبة تأمين المياه في الضيعة بسبب انقطاع التيار الكهربائي.

أما السيدة جمانة عبيد وهي سيدة من بلدة برقايل كانت تقوم بإعداد الكشك بشكل أساسي بكمية كبيرة، إكتفت هذه السنة بشراء كيلو واحد بسبب غلاء مواده التي تتطلبها صناعته.

وتعتبر السيدة خديجة عوض وهي ربة منزل أيضا أنها اكتفت بشريحة مكدوس واحدة بعد أن وصلت تكلفتها الى حوالي المليون ليرة لبنانية.

وتضيف السيدة فاطمة سعد عبدالله أنها كانت تقوم بإنتاج 20 كيلو من مربى التين وتعيد طرحها في السوق، هذه السنة لم تستطع إعداد المربى من أصله، لعجزها عن شراء مكوناته لغلاء الأسعار هذه السنة وانقطاع المياه وشحها .

هذا وإن كثيرا من الأسر اكتفت بالمونة الأساسية ولم تقرب ناحية العصائر والملبن والمربيات كونها من الكماليات، واكتفت بإعداد مربى التفاح لقرب منطقة برقايل عن مناطق الجرد حيث يزرع التفاح و لتدني سعره في هذه الفترة من السنة وتحملوا ارتفاع سعر السكر فيه.

هذه الحال بالنسبة للأسر العادية ذات المدخول المحدود، أما بعض الناس ممن لديهم بعض الإمكانات المادية عبر الإعتماد على التحويلات التي تصلهم من ذويهم من خارج لبنان، يعمدون الى تموين المونة بشكل عادي مع شراء أصناف أقل جودة، خاصة وأن موسم المونة يتزامن مع افتتاح المدارس وما تتطلبه من تكاليف باهظة.

أما من يحصل على مساعدات غذائية من جمعيات المجتمع المدني أو من مساعدات الأمم المتحدة، بات يعتمد حليب البودرة بدل الحليب البقري لصنع اللبنة أو لتموين الكشك، واستبدال زيت الزيتون الأصلي بالنباتي ، وعلى الحبوب التي تأتي ضمن تلك المساعدات كونهم يحصلون عليها بشكل دوري، وذلك لسد شهوتهم لهذه المونة التي طالما تعودوا عليها في حياتهم، ولطالما كانت هي الأساس للتعامل مع فصل الشتاء الذي تنذر فيه المواد الغذائية التي يكون موسمها في فصل الصيف، خلافا للشراء اليومي المكلف..

وأخيرا مع قلة المال ومحدوديته لتأمين المونة ومع غلاء المحروقات وانقطاع الكهرباء والمياه وتزايد الأزمات المالية في لبنان هل سيتحمل اللبناني تكاليف إعداد المونة كل سنة أم سيضطر إلى إلغائها من نظامه الغذائي وفق عاداته وتقاليده؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

أسما شنبور

Facebook
X
WhatsApp

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على معلومات التحديث والأخبار والرؤى المجانية.